الاثنين، 5 يوليو 2010

أفغانستان.. رؤوس تدحرجت وأُخرى قد أينعت!! - سياسة - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة

أفغانستان.. رؤوس تدحرجت وأُخرى قد أينعت!! - سياسة - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة

أفغانستان.. رؤوس تدحرجت وأُخرى قد أينعت!!

http://www.alukah.net/Culture/0/23308/

سعود عبد الله المعيقلي
Saud-39@hotmail.com

لم يكنْ "ستانلي ماكريستال" يتوقَّع أنَّه سيدفعُ منصبه كقائد للقوات الأمريكيَّة و"حِلْف الناتو" في أفغانستان؛ ثمنًا لحفلة تهكُّميَّة سَخرَ خلالها هو ومساعدوه من الرئيس الأمريكي "أوباما"، ومن كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكيَّة في حديث صحفي لمجلة "رولينغ ستون".

قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها صبيحة إقالة "أوباما" لماكريستال: إنَّ الرؤوس التي تدحرجت في الفترة الأخيرة في أفغانستان قد لا تدلُّ على العجز الوظيفي لدى الذين استقالوا أو أُقيلوا، بقدر ما تدلُّ على فشلِ إستراتيجيَّة الحرب على أفغانستان برمَّتها، وقالت بأن "ماكريستال" ما هو إلاَّ القربان الذي تمَّت التضحية به؛ من أجل التخلُّص من الانقسامات في الإدارة الأمريكيَّة بسبب الحرب في أفغانستان.

وأضافت الصحيفة أنَّ الانتصار الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة في مرجة بولاية "هلمند" جنوبي أفغانستان، وقُوبِل بهجمات معاكسة من جانب حركة طالبان، وأدَّى إلى إشعال حرب في الولاية بدل استقرارها - ينذر بسوء عاقبة الاستعدادات الأمريكيَّة لمهاجمة "قندهار"، أقوى حصون طالبان في الجنوب الأفغاني.

"أوباما" بدوره دافع عن إستراتيجيته الجديدة قائلاً بأنها لن تتأثر بهذه الإقالة، وأنه قام بتعيين "ديفد بترايوس" - قائد القيادة الأمريكيَّة الوسطى - الذي يتفهَّم تلك الإستراتيجيَّة جيدًا؛ حيث إنه ساهم في صياغتها، وأضاف أن ما جرى هو تغيير في الأشخاص وليس في الإستراتيجيَّة.

فما هي هذه الإستراتيجيَّة؟ وما هي حظوظ نجاحها وفشلها؟

تقوم هذه الإستراتيجيَّة على أساس القيام بحملة عسكريَّة كبيرة، تهدف بشكل عام إلى تقليل حجم وإضعاف وعَزْل حركة طالبان، ومن ثَمَّ ضَرْب المخابئ التي تنطلق منها في الهجوم على قوات التحالف؛ وذلك لمنع عودتهم إلى تلك المخابئ، وحِرْمانهم بالتالي من إمكانيَّة شنِّ هجمات جديدة، وإعطاء النظام السياسي الجديد فرصة لتثبيت نفسه هناك.

وهذا يعني أنَّ هذه الإستراتيجيَّة تسير على خُطى "إستراتيجيَّة العراق"، تلك الإستراتيجيَّة المركبة التي تضمنت زيادة عدد القوات العسكريَّة المحتلة، وعدد القوات الحكوميَّة وتدريبها، إضافة إلى الاعتماد على العصبيَّات الطائفيَّة والقوميَّة والعشائريَّة.

يواجه "أوباما" في سبيل تنفيذ هذه الإستراتيجيَّة معضلتين أساسيتين:
أوَّلهما: أنَّ حلفاءَ الولايات المتحدة يترددون في زيادة حجم قواتهم؛ نتيجة لزيادة عدد ضربات طالبان وقوَّتها؛ مما تسبب في وقوع مزيد من القَتْلى بين صفوفهم.
ثانيهما: تململ الشعب الأمريكي المتزايد مع زيادة مدة بقاء الجيش الأمريكي هناك، ومن المعلوم أنَّ إنجاز خُطةٍ كهذه يحتاج إلى وقتٍ طويل.

لذا لجأ "أوباما" إلى تقديم تنازلات كُبْرى تتمثَّل في الإقرار بمصالح استعماريَّة للحلفاء في أفغانستان، كجزء أساس من هذه الإستراتيجيَّة كحلٍّ للمعضلة الأولى، كما لجأ إلى تحديد وقتٍ تقريبي لبَدْء الانسحاب من أفغانستان كحلٍّ للمُعْضلة الثانية.

في بداية الغزو، وعندما كانت الولايات المتحدة في أَوْج قوَّتها، وفي وضعٍ يَسْمح لها بفَرْض الأجندة التي تريد - قامت إستراتيجيتها الأولى على استثمار التناقضات الإقليميَّة والدوليَّة، ووظَّفتها لصالحها في احتلال أفغانستان؛ فقد استغلتِ الوضع المتوتر بين الهند وباكستان، واستثمرته ببراعة للضغط على باكستان للمساهمة في الحرب على طالبان، كما استغلت التناقض بين طالبان وإيران لجَعْلِ إيران تساهم مساهمة مباشرة في القضاء على طالبان، فكان أنْ تخلصت إيران من عدوٍّ إستراتيجي.

على الصعيد الدولي استغلتِ الولايات المتحدة الرغبة البريطانية والفرنسية في الحصول على مَوْطِئ قدمٍ في هذه المنطقة الحيويَّة، فحثَّتهما على المشاركة في هذا العدوان، كما استغلتْ تَخَوُّف اليابان من كوريا الشماليَّة والصين، فشاركت لوجستيًّا في المجهود الحربي، كما استغلت الرغبة الألمانيَّة في كسر القيود المفروضة عليها بعد الحرب العالمية الثانية، فسمحت بخروج قوَّاتها خارج حدودها مقابل الاشتراك في الحرب.

دوام الحال من الْمُحال:
بعد احتلال العراق، وبعد توسُّع الأعمال العسكريَّة فيه وفي وأفغانستان، سعت الولايات المتحدة لتوسيع مشاركة القُوَى الأخرى؛ نظرًا لعدم قُدْرتها على مواجهة ذلك التوسُّع، فكان أن أسهمتْ قوات من حلف "الناتو" في احتلال أفغانستان، وحتى هذه اللحظة ظلَّت الرؤية الأمريكيَّة هي المسيطرة؛ فالكل يعمل تحت إستراتيجيِّتها ولتحقيق مصلحتها.

ولكن مع تطور قدرة حركة طالبان واستطاعتها تسديد ضَرْبة قاضية للإستراتيجيَّة الأولى، ومع قطع خطوط التموين والإمداد في باكستان وأفغانستان، إضافة إلى مرور الولايات المتحدة بأزمة اقتصاديَّة حادة، كلُّ ذلك دَفَعَ الإدارة الأمريكيَّة إلى صَرْف النظر عن هذه الإستراتيجيَّة والبحث عن إستراتيجيَّة جديدة.

فكان أنْ ظهرت هذه الإستراتيجيَّة التي تتخلَّى فيها الولايات المتحدة عن قليل من كبريائها كدولة عُظْمى وحيدة، فقدَّمت تنازلات تغري بها الشركاء داخل حلف الناتو وخارجه؛ لتوسيع مشاركتهم في الحرب مقابل اعترافها لهم بمصالح استعمارية في أفغانستان، وبموجب هذا التوجُّه الجديد سمحت الولايات المتحدة لروسيا بالحصول على عقود تسليح للجيش والشرطة الأفغانيَّة، مقابل سماح روسيا لطائرات الإمداد والتموين الأمريكيَّة بالمرور عبر أجوائها؛ اتقاءً للضربات المتزايدة على قوافل الإمداد والتموين في باكستان وأفغانستان، كما سمحتْ لفرنسا وبريطانيا بلعْب بعض الأدوار السياسيَّة في أفغانستان، وقد ظهَرَ ذلك جَليًّا خلال الانتخابات الأفغانيَّة، وكذلك سمحت لحلف الناتو بمشاركتها رسم إستراتيجيَّة الحرب فيها.

وبموجبه أيضًا طلبت الولايات المتحدة من دول إقليميَّة، مثل: طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان - التأثيرَ على المجموعات الطاجيكيَّة، والأوزبكيَّة، والتركمانيَّة في أفغانستان، وكذلك طلبتْ من إيران التأثير على الهزار الشيعة لدعم الحكومة ومواجهة طالبان، وهذا يمثِّل اعترافًا بدورٍ لها في أفغانستان، كما حدث في العراق.

أما القبائل البشتونيَّة - أكبر المجموعات العِرْقيَّة في أفغانستان ومنها تنحدر حركة طالبان - فقد ضغطت الولايات المتحدة بشدة على باكستان؛ من أجل الدخول في صراع مفتوح معها، بدَعْوَى التضييق على القاعدة وطالبان، وحرمانهم من الملاذ الآمن، ومن هنا نرى أن هذه الإستراتيجيَّة تشمل باكستان أيضًا.

وخلاصة هذه الخطة: أن الولايات المتحدة تسعى لتخفيف الأعباء الاقتصاديَّة والبشريَّة للحرب في أفغانستان؛ من خلال إنشاء تحالف عسكري دولي وإستراتيجيَّة دوليَّة تَعْترف بمصالح الجميع، إضافة إلى إنشاء تحالف جديد للحُكْم في أفغانستان يتكوَّن من مختلف الأعْراق والولاءات، يحظى بمساندة إقليميَّة ودوليَّة.

ولا شكَّ أنَّ هذا التحالف المعقَّد في تركيبته الدوليَّة والإقليميَّة سيشهد تنافرًا واحتشادًا في المصالح الإستراتيجيَّة طويلة المدى للدول والعِرْقيَّات المشكِّلة له - حتى وإن اجتمعت على مصلحة تكتيكيَّة وهي القضاء على حركة طالبان - في ظل عجز الولايات المتحدة عن السيطرة على جميع أطرافه بسبب حالة الضَّعف العامة التي تمرُّ بها؛ مما سينتج عنه - إنْ عاجلاً أو آجلاً - هزيمة أشدّ وأعقد من الهزيمة التي تلقَّتها إستراتيجيتها الأولى.

بل سيصلُ الأمرُ إلى حالة من الفَوْضى وعدم الاستقرار، حتى بعد انتهاء الاحتلال في ظلِّ تداخُل ما هو إقليمي ودولي، ولا أستطيع تفهُّم النيَّة الأمريكيَّة بالانسحاب من أفغانستان خلال العام القادم، إلا من منظور أن هناك نيَّة مسبقة لإدخال أفغانستان وباكستان في دهليز مُظْلم من الفَوْضى والحروب الأهليَّة، اعتمادًا على العصبيَّات المذْهَبيَّة والعِرْقية، خاصة وأنَّ هذه الإستراتيجيَّة تحتاج إلى وقت طويل لتنفيذها، إذا ما قُدّر لها النجاح.

على أيّة حال، لا يَعني وصول الخُطط الإستراتيجيَّة الأولى للفشل، ووصول الخُطط الإستراتيجيَّة الجديدة لمأزق خطير - أن الولايات المتحدة وحلفاءها يستعدون للرحيل من أفغانستان؛ حيث إن معركة أفغانستان هي معركة ذات طابع إستراتيجي ينتج عن خسارتها تغيير في التوازنات الدوليَّة والإقليميَّة؛ إذ تتعلق أفغانستان بصراعات إقليميَّة كُبْرى بين الدول المحيطة بها، كما ينتج عن خسارتها فشل مخططات دوليَّة كُبْرى للولايات المتحدة وحلف الأطلسي، أضفْ إلى ذلك أنَّ حركة طالبان - الطرف الآخر في الصراع - ورغم قوَّتها لم تصلْ بَعْد إلى مستوى القدرة على إحراز النصر النهائي.

الخميس، 1 يوليو 2010

التحالف الغادر: تفاصيل يرويها لكم الدكتور "بارسي" أيها المهووسون بالفرس - سياسة - موقع ثقافة ومعرفة - شبكة الألوكة

التحالف الغادر : تفاصيل يرويها لكم الدكتور "بارسي" أيها المهووسون بالفرس

سعود عبد الله المعيقلي
saud-39@hotmail.com

لا أعلم حقيقةً لِمَ يستَنكِر البعض ويمتعض عندما نقول بأنَّ هناك تنسيقًا كاملاً بين أمريكا وإيران وإسرائيل يُراعِي المصالح الإستراتيجيَّة المشترَكة، على عكس ما تُظهِره التصريحات الناريَّة المُتَبادَلة، وكأنَّنا أتينا بِمُستغرَب أو مُستَنكَر من القول؟!

لا محرَّمات في عالم السياسة؛ فالدُّوَل تسعى لتحقيق مصالحها بأيَّة طريقة، سواء كانت مشروعةً أم غير مشروعة، وقد استَفادت إيران وأمريكا من سياسة العداء الظاهر أكثر من استفادتهما من العلاقات الوُديَّة المتبادَلة، فقد استَفادت أمريكا سياسيًّا واقتصاديًّا من "إيران الخميني" أو "إيران العدو" أكثر ممَّا استفادته من "إيران الشاه" أو "إيران الصديقة"، فمن مصلحة الولايات المتحدة أن تصنع "بعبعًا" عدوًّا يجعل دُوَل المنطقة تَشعُر بالحاجة الدائمة للوجُود والحماية الأمريكية.

ليكن معلومًا منذ البداية أنَّ مقالي هذا لا يَهدِف إلى تغليب خطر إيران على خطر إسرائيل؛ فإسرائيل هي الخطر الأوَّل بلا مُنازِع، وإذا كانت إيران خطرًا محتملاً فإنَّ إسرائيل خطرٌ محقَّق، وإنما هو موجَّه إلى مَن طاروا بإيران عاليًا واعتبروها نِدًّا يُواجِه الغطرسة الأمريكية والصِّهيَوْنيَّة، كما أنَّه مُوجَّه لِمَن خدعَتْه الولايات المتَّحِدة فأوهمَتْه أنها عدوٌّ حقيقي لإيران.

ظهَر كتابٌ خطير يَكاد يكون الأوَّل من نوعه بعنوان "تحالف الغدر: التعامُلات السريَّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة"، يكشف الكتاب معلومات دقيقة وأسرارًا خطيرة حول هذا المثلث الغامض، وطبيعة العلاقات بين دوله الثلاث، كما يكشف الاتِّصالات التي تَجرِي خلف الكواليس وآليَّات وطرق الاتِّصال والتواصُل فيما بين دُوَلِه في سبيل تَحقِيق المصالح المشتركة من خِلال الصفقات السريَّة، على الرغم من الخِطاب الإعلامي الاستِهلاكي العدائي المُتبادَل.

مؤلِّف الكتاب حاصلٌ على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدوليَّة عن رسالته في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية من جامعة "جون هوبكينز"، التي يعمَل فيها كأستاذٍ للعلاقات الدولية، كما يرأس المجلس القومي الإيراني الأمريكي، إنَّه الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية "تريتا بارسي" الذي وُلِد في إيران ونشَأ في السويد، وحصَل فيها على شهادتي ماجستير؛ إحداها في العلاقات الدولية، والأخرى في الاقتِصاد من جامعة "ستوكهولم".

يُعتَبر "تريتا بارسي" من الكُتَّاب الأمريكيين القلائل الذين استَطاعوا الوصول إلى صُنَّاع القرار في البلدان الثلاث: أمريكا وإيران وإسرائيل، ومن خلال ذلك ألَّف كتابه استِنادًا إلى أكثر من 130 مُقابَلة مع مسؤولين رسميين رفيعي المستوى من صُنَّاع القَرار في الدول الثلاث، كما استَنَد إلى كثيرٍ من الوثائق والتحليلات المُعتَبَرة والخاصة، ومن هنا اكتَسَب كتابه أهميَّة كبيرة.

يرى "بارسي" أنَّ العلاقة بين المثلث (الإسرائيلي، الإيراني، الأمريكي) تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيو إستراتيجي، وليس على الأيديولوجيا والخِطابات والشعارات الحماسية الرنَّانة التي ليس لها أيُّ أثرٍ ملموس على مسرح الأحداث، فلم يتمَّ استِخدام أو تطبيق أيٍّ من تلك الخطابات الناريَّة من كِلاَ الطرفين، والتي عادةً ما تكون في وادٍ والتصرُّفات في وادٍ آخر.

يعتقد "بارسي" - وعلى عكس التفكير السائد - بأنَّ الصراع الإسرائيلي الإيراني هو نزاعٌ إستراتيجي قابل للحلِّ، وليس صراعًا أيديولوجيًّا، فلا مشكلة دينية لدى إيران من وجود دولة تسمَّى إسرائيل تحتلُّ أوَّل قبلةٍ للمسلمين، ولشرح ذلك يسرد الكتاب الكثير من التعاملات السريَّة التي تَجرِي خلف الكواليس لم تُكشَف من قبل.

يكشف الكتاب الحجابَ عن اجتماعات سريَّة كثيرة حدثت في عواصم أوروبية بين إيران وإسرائيل، عرَض فيها الإيرانيُّون تحقيقَ المصالح المشترَكة للبلدين من خِلال صفقةٍ كبرى، ومن ضمن تلك الاجتماعات كان "مؤتمر أثينا" عام 2003، والذي كان منبرًا للتفاوُض بينهما تحت غطاء أكاديمي.

ومن خِلال معلومات سريَّة مُوثَّقة جدًّا يبيِّن "بارسي" أنَّ صُنَّاع القَرار في طهران وجدوا أنَّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية هي تقديم مساعدات كبرى لها في غزوها للعراق في عام 2003، وذلك بتَنفِيذ جميع ما تطلُبه الإدارة الأمريكيَّة منها، مُقابِل تنفيذ الطلبات الإيرانية.

أعدَّ الإيرانيون عرضًا جريئًا متكاملاً يتضمَّن جميع الأمور المهمَّة؛ ليكون أساسًا لعقد صفقة كبرى مع الأمريكيين، يقول بارسي: إنَّه قد علم بأمر هذه الوثيقة التي تُعتَبَر ملخَّصًا لعرض تفاوُضي أكثر تفصيلاً عبر الوَسِيط السويسري "تيم غولدمان" الذي نقَلَه إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد تلقِّيه من السفارة السويسرية أواخر نيسان 2003.

وبموجب هذه الوَثِيقة فقد عرَضت إيران استِخدام نفوذِها في العراق لتَحقِيق الأمن والاستِقرار وتشكيل حكومة غير دينية، كما عرضت أن تلتَزِم بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون قيدٍ أو شرطٍ؛ لطمأنة واشنطن بأنها لا تطوِّر أسلحة دمار شامل، وعرضت أيضًا إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية والضغط عليها لإيقاف عمليَّاتها ضدَّ الإسرائيليين، كما أكَّدت التزامَها بتحويل حزب الله إلى حزب سياسي ينخَرِط بالكامل في الإطار اللبناني، كما عرضت أن تُعلِن قبولها للمبادرة العربية للسلام مع إسرائيل التي طُرِحت في قمَّة بيروت عام 2002.

يقول "بارسي": إنَّ العرض الأكثر إحراجًا للمُحافِظين الجدد الذين كانوا يُناوِرون على مسألة تدمير إيران لإسرائيل ومحوها من الخريطة - كان استِعداد إيران أن تعتَرِف بإسرائيل كدولةٍ شرعيَّة؛ ممَّا دعا نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى تعطيل هذا الاقتِراح على اعتِبار أنَّ الإدارة الأمريكيَّة تَرفُض التحدُّث إلى محور الشر، ليس هذا فحسب بل إنَّ الإدارة الأمريكية وبَّخت الوسيط السويسري.

ومن المُفارَقات التي يَذكُرها الكتاب أنَّ اللوبي الإسرائيلي كان أوَّل مَن نصح الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات بألاَّ تُلقِي بالاً للتصريحات والشعارات الإيرانية؛ لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها على السياسة الإيرانية.

وحسب وجهة النظر الأمريكيَّة والإسرائيليَّة فإنَّ إيران تختَلِف عن الخصوم "اللاعقلانيين" كطالبان وصدام حسين، فهي خصمٌ "عقلاني" يُمكِن احتواؤه بالطُّرُق السلميَّة والتقليديَّة.

تصريحات إيران "اللاعقلانية" لا تتجسَّد على الأرض، فهي تستَخدِم التصريحات الاستِفزازية، ولكنَّها لا تتصرَّف بموجبها تصرُّفًا أرعنًا قد يُزَعزِع نظامها؛ وبِناءً على ذلك فإنَّ تحرُّكات إيران يُمكِن توقُّعها، وبالتالي فلا خطَر منها.

التنافُس الإيراني الإسرائيلي ليس وليد الثورة، وإنما هو تنافس طبيعي كان موجودًا حتى أيام حليف إسرائيل "الشاه"، هذا التنافُس يقع ضمن دائرة نفوذهما في العالم العربي، ويرى "بارسي" أنَّ أيَّة اتِّفاقية سلام عربية إسرائيلية شاملة تُصِيب المصالح الإيرانية في مَقتَل وتؤدِّي إلى تهميشها إقليميًّا، وتُبعِد العرب عنها، ولا سيَّما حليفتها سوريا.

ختامًا:

صِراع المثلث (الأمريكي، الإيراني، الإسرائيلي) ما هو إلا لتقاسم كعكة كبيرة نحن نُمَثِّلها؛ ولذا فالمُستَجِير بأحدهم من الآخر كالمُستَجِير من الرَّمضاء بالنار.